لا ندري ما الذي أيقظ المذيع اللبناني زاهي وهبي والمغنية السورية فايا يونان للغناء لبغداد. لا سبب لتفعيل بند الغناء للمدن العربية (هل نتوقع قريباً أغنية لصنعاء؟) إلا تقليد الكبار الذين عرفوا باقتسام قلوب تلك المدن جميعها حتى لو كانت على خلاف. المهم أن تعْبر الأغنية، على غرار الشركات العابرة للحدود والجنسيات، والقنوات التلفزيونية، وبرامج تلفزيون الواقع، شيء من قبيل أوبريت “الحلم العربي” الذي بإمكان الجميع أن يغنيه، بل ويدمع له، وما هو في الواقع إلا قناع من بين الأقنعة الكثيرة التي تخفي حروباً وتمزقات لا حصر لها.
حوالى نصف مليون مشاهدة في خمسة أيام فقط لأغنية “بغداد” (من ألحان حازم شاهين وتوزيع ريان الهبر). يمكن التخمين بأن جمال وجه المغنية، وربما جمال الصور الطازجة الصافية المأخوذة من قلب بغداد هذه الأيام، كانا جواز عبور لنصف المليون مشاهد، أي كل ما ليس له علاقة بالأغنية نفسها، اللحن، أداء المغنية، الكلمات،
“بغداد/ بين الجرحين بسملةٌ ورجاء/بغداد/ فوق الجبين وشمٌ ودعاء/ في الصدر أيقونةُ عشقٍ/ وفِي الروحِ/ صِلةُ وصلِ الأرضِ بالسماء”.
هذا مقطع من كلمات الأغنية، التي أدرجها كاتبها تحت بند الشعر. ولعله يحاول أيضاً أن يجدد في قصيدته بزجّ كلام باللهجة العراقية في قلب الأغنية “بغداد/ يا ليل يا عين/ يا حبة قلب/ يا عروس الزين/ يا هوسة عرس/ يا كحلة شمس/يا آه ويا أوف/ يا نور العين”. وكما هو واضح ليس المقطع العامي بأقل فداحة من سابقه. تصوروا أي نكبة حلّت ببلد يغص بالشعراء الكبار، ويرى في الشعر فخراً له لا يضاهى، فصحى وعامية، ويأتيه من يتلو عليه هذا الهراء!
للحق، إن كان هناك من جناية لـ “الحريرية” (نسبة لآل الحريري. وبالمناسبة، الحريرية مصطلح اجترحه الجنرال ميشيل عون قبل أن يصبح رئيساً) فهي أنهم حوّلوا زاهبي وهبي من نصف شاعر مغمور إلى شاعر نجم، وإعلامي مكرس يملأ الشاشات.
“بغداد” أغنية تجتمع كل العناصر على فشلها (بما فيها تلك الابتسامة المصنوعة للكاميرا طوال الكليب)، ومع ذلك تحظى بنصف مليون مشاهدة، مرشحة للتزايد. لكن ما السرّ حقاً في ذلك؟ ماذا وراء صناعة فايا يونان؟