نجاح سفكوني: أنا خالص

25
الممثل السوري نجاح سفكوني

المقاطع المتداولة والمجتزأة من مقابلة مع الممثل السوري نجاح سفكوني على مواقع التواصل الاجتماعي تدفع المرء دفعاً لمشاهدة المقابلة الإذاعية المصورة كاملة (حوالى ساعة ونصف). تصريحاته أعطت الانطباع بأن الرجل (اليائس مثل عموم السوريين) فتحَ النار على الآخر، ولا بدّ أنه أصاب حقيقة ما، لا بدّ أنه داس في بطن النظام. تعامل الجمهور مع شهادة الفنان على أنها وثيقة جديدة تفضح العصابة وتجلياتها المافيوزية في مجال الثقافة والفن.

كلمة السرّ في ثورة نجاح سفكوني المتأخرة هي في عبارة جاءت في ختام اللقاء: “أنا ما فارقة معي بنوب. أنا خالص”.

“الفنان لا يستطيع، وإن كان موهوباً، أن يفعل شيئاً، لوحده. هناك جهات، لكن غير مرئية؛ مثلاً ابن أحد الأمراء يحب الممثل الفلاني، فيأمر الأمير بجلبه ليسلّي الصبيّ، يستضيفه شهر زمان. وهذه واقعة حدثت بالفعل”.

“هناك أيضاً جهات داخلية، أناس في مركز القرار، يستطيعون تصديرك بالطريقة التي يريدونها”، يضيف الفنان، ويتابع: “ليس لدينا منتِج وطني. هم تجار، ليسوا شرفاء”. وهنا تحدث عن منتِج تُفتَح له سجون صيدنايا (السجن الأفظع لمعارضي النظام بعد تدمر) ليصور فيها، “في وقت لا نجرؤ على الاقتراب (من السجن) على بعد 50 كم. هناك ناس مغطايين”. (نحسب أن المقصود هنا هو نجدت أنزور، فلم تُفتح لغيره سجونٌ كي يعمل منها مسلسلات).

جاء حديث الفنان لاذعاً أكثر لزملائه، أرباب الكوميديا “السّقيلين”، كما يصفهم بالعامية السورية، والمنتجين التلفزيونيين، ونقابة الفنانين، أما في ما يخص النظام، فقد تحدث عن الفساد والنهب والاستغلال، وغياب نموذج مضيء في الواقع، قدّم نفسه كمواطن بلا حقوق، ورجل خائف، أكلتْه “الأزمة”، ودمّرت حياته.

كشف الرجل عن سيرته الذاتية على أنها قصة كفاح؛ جاء دمشق ببضعة ليرات، ولم تستقبله، استعصت عليه (مثّلها بقبضة يد مغلقة. وطبعاً، مبكراً كانت مدينة بلا قلب!). صار الممثلَ المشرّدَ الذي نام لسنتين في حديقة السبكي العامة، وتقاسمَ مع سكانها الهامشيين الليلَ والفرّوج. نامَ على سطح فندق رخيص بالقليل الذي يحمله من النقود. طُرد، تقريباً، من أعمال تلفزيونية لأنه لا يعرف المجاملة، ولا المداهنة.

لا يستطيع المرء أن يتحدث عن الأمل ما دامت جورتا الماء المالح على دوار في اللاذقية وعلى مفرق في ضاحية قدسيا الدمشقية مفتوحتين في وجه الناس.

كلمة السرّ في ثورة نجاح سفكوني المتأخرة هي في عبارة جاءت في ختام اللقاء: “أنا ما فارقة معي بنوب. أنا خالص”.

لا بدّ أن المرء يشعر بنوع من التعاطف مع رجل، أياً كان، خيّبته الحياة على هذا النحو، انتظار وراء انتظار، أمل وراء أمل، كل مساء من مساءات سنواته السبعين (مواليد العام 46) يقول لنفسه قد يكون غداً يوماً آخر، وحتى لو لم يأت الغد الأجمل، فإن لديه من المال (لم يصرفه على ملذاته الشخصية كباقي الزملاء) قد يكفيه لآخرته، لكن الحرب جاءت، وبدّدت كل شيء.

إنه اليوم نادم على اختياره المهنة، يتمنى لو أنه في مكان آخر غيرها.

لكن ثمة خيبة صغيرة هنا، غضبة نجاح سفكوني وثورته ليست نبيلة بما يكفي لتداولها والاعتداد بها. في قلب كلامه نفسه تشعر أن الدافع ليس الثبات على المبدأ، فهو ينال من أنزور، ويغفل اسمه، وفي مكان آخر، يعلن أنه مدين له. ينتقد مسلسل “الهيبة” (مسلسل التشبيح والمخدرات)، كيف كُتب وكيف اشتُغل، لكنه لا ينكر جودته، على الأقل الجزء الأول الذي شارك فيه بدور خال الجبل (تيم حسن). يعلن انتماءه للفن الأصيل، لكنه ظلّ مع “باب الحارة” حتى النسخة 12! ثم لا يتردد في القول إنه يعمل من أجل “المصاري”، وكأنها مسلّمة من مسلمات الحياة.  

ألديك أمل؟ يُسأل سفكوني، فيجيب بالنفي. لا يستطيع المرء أن يكون آملاً ما دامت جورتا الماء المالح على دوار في اللاذقية وعلى مفرق في ضاحية قدسيا الدمشقية مفتوحتين في وجه الناس.

هذا هو نقده الأقصى والأقسى للوضع.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here